الأحد، 30 نوفمبر 2008

أن تكون وحيدا

في زمن ما قديم كان الاطفال في سنينهم المبكره يندفعون بشكل غريزي لللعب سويا ، لا أحد يدري منهم لم هو مضطر لأن يفعل ذلك ،ولكن المؤكد أنها مسأله لا علاقة لها بالاراده ،اذ أن كل الأطفال يميلون لأن يلعبوا سويا ،الطفل المنطوي دائما ما كان هو الاستثناء...الطفل المنطوي دائما ما كان أهله يبحثون عن المساعده....
ومن اجتماع الاطفال سويا تخرج الالعاب الشعبيه التي تتوارث جيلا بعد جيل ،وكل شعب له العابه الخاصه المميزة له..عندنا في مصر مثلا عشرات الالعاب من هذه النوعيه :السبع بلاطات..استغمايه ..الجرايين....وغيرها الكثير،في وقت ما ظهر جهاز التليفزيون ،و التليفزيون جهاز مبهر يعرض الكثير مما هو ممتع : افلام..مسلسلات....رسوم متحركه...العيب الرئيس للتليفزيون ـ العيب الذي تخرج منه كل العيوب الأخري في رأيى ـ هو أنه جهاز صمم كي يكون دائما مانحا ولا نملك نحن المشاهدين الا ان نكون متلقين لما يبثه علينا ، وهكذا اكتشف الاطفال "روعة" ما يقدمه التلفاز من رسوم متحركة وافلام ،في البدء كان ما يقدمه التليفزيون مقتصرا علي بضع ساعات ظلت تزداد تدريجيا حتي صارت تغطي الاربعة والعشرين ساعة ،ثم ظهرت اجهزة الالعاب الالكترونيه التي بدأت بالأتاري واخذت تتطور بسرعة هائله حتي وصلت الي ماهي عليه الآن من ابهار ،وجود ما يسمي بأجهزة الترفيه ـ في الواقع انا أميل الي تسميتها بأجهزة غسيل المخ ـ كان يعني ان تاريخا طويلا من المشاركة الانسانية قد انتهي ،الآن بدلا من ان يقضي الطفل وقته في اللعب مع اصدقائه فانه يقضي يومه في مشاهدة فضائيات تذيع افلام رسوم متحركه ـ الكثير منها يحوي مشاهد عنف مدمره بل واحيانا تحتوي علي ايحاءات جنسية أيضاـ طيلة اليوم،فاذا مل منها فانه يهرع الي أجهزة الفيديو جيم كي يلعب العاب لاتقل عنفا ولا جنسا عما يراه علي الشاشه..
في زمان ما قديم كان الاستماع والاستمتاع بالموسيقي امرا لا يخلو من التعقيد : يتطلب الامر وجود عازف او عازفين مهره يلتقون في مكان معين وفي توقيت معين كي يحضر اليهم الجمهور الراغب في سماعهم ،فيما بعد جاء المذياع ثم التلفاز لينقل تلك الحفلات اليهم في منازلهم ثم جاء اختراع الفيديو كي يمكنهم من مشاهدة هذه الحفلات وقتما شاءوا،الامر له مميزاته بالطبع : يمكنني ان استمع واشاهد أم كلثوم اليوم برغم انها ماتت قبل ميلادي بكثير ،كما أن هذا الامريمكننا من حفظ تراثنا الفني وهو أمر لم يكن متاحا لنا من قبل ،ولكن ليس هذا ما أتحدث عنه بالطبع...
في زمان ما قديم كان تكوين ثروة عن طريق التجارة امرا شاقا حقا يتطلب الكثير من الذكاء والصحة البدنية كى تتاح للتاجر التنقل بين اماكن عدة بعضها بعيد حقا كي يعقد الصفقات ويحصل علي البضائع ثم كي يروج لبضاعته ويتحمل مناقشات الزبائن ،مع الوقت تطورت وسائل المواصلات وما كان يستغرق اشهرا صار يستغرق اسابيع ثم ايام ثم ساعات حتي وصلنا الي المرحلة التي يمكن فيها للتاجر الا يخرج من حجرته اساسا!يمكن الآن عقد الصفقات وشراء الشركات وبيعها وتكوين المليارات عبر شاشة الحاسوب ،فيما مضي كان التاجر الثري كهلا او عجوزا انيقا في الغالب ،الآن ستجد كثيرا من اصحاب المليارات شبابا لم يجاوزوا مرحلة العشرينيات هيئتهم رثة غالبا ولا يفعلون شيئا سوي الجلوس امام الانترنت والمضاربة علي العملات ـ تذكروا جورج سوروس ـ وبيع الاسهم وشرائها،دون ان يعرف من يشتري من يبيع ولامن يبيع يعرف من يشتري....
حتي الغريزة الجنسية !
هل يمكن ان تغني مشاهدة المواد الاباحيه ولو بشكل جزئي عن الممارسة الحميمة؟؟
في زمان ما قديم لم يكن هناك سبيل لاشباع الغريزة الجنسية الا بممارسة العلاقة الحميمة مع شريك من النوع الآخر غالبا، وهو ما كان ينتج عنه غالبا ايضا الحمل وانجاب الاطفال،ومع وجود غرائز اخري كالأمومة والحنان وغيرها افضي هذا الي تكوين الاسر والعائلات ،الي ان ظهرت الي الوجود حبوب منع الحمل ...
طبعا:منذ قديم الأزل توجد وسائل عديده لمنع الحمل كالعزل ومنقوع شجر الآراك وغيرها وكلهابلا استثناء وسائل فاشلة،علي النقيض منها كانت الحبوب شديدة الفاعليه والكفاءة وفصمت الي الأبد العلاقة بين الجنس والحمل ،وهكذا صار من الممكن لأي عاشقين قضاء وطرهما دون خوف من التبعات ،الآن صارت المرأة أكثر تحررا من تبعات الحمل والانجاب والرضاعة والتربية وصار بامكانها "أن تحقق ذاتها" بعيدا عن الرجل.... أي بعيدا عن العائلة...
الآن يمكن للمرء أن يترك اللعب مع أقرانه للعب الفيديوجيم.. وان يستعيض عن التسامر مع أصدقائه بمشاهدة فيلم السهرة..وان يستبدل زيارة أقاربه في العيد برسائل المحمول القصيره
"عيد سعيد"...وان يوفر مشقة الذهاب الي حفلة موسيقية بجلبها عبر الانترنت ..وان يتغلب علي شهوته ـ ولو قليلا ـ بمشاهدة الافلام الاباحية ،وان يوفر علي نفسه عناء تكوين اسره باستخدام الحبوب،وان يستبدل العمل الشاق بالمضاربة في البورصة،علي مستوي الاقتصاد تسود العالم الآن الراسماليه وعلي مستوي الافكار اصبحت" الحرية الشخصية" في اكثر حدودها تطرفا هدفا اسمي...
نستطيع أن نقول اذن ان الفرديه هي السمه المميزه للحضارة الحديثة، كلما تقدمت الحضارة الغربية اكثر كلما وهت الروابط بين البشر اكثر،وصار تفكك المجتمعات أكثر ،وصار الانسان اكثر وحدة من ذي قبل......
لقد اصبحت الكثير من الامور الصعبة علي الانسان سهلة بل وشديدة السهولة...ولكن بأي ثمن؟