من المدرس الذي "يرفس" تلميذا بالابتدائي فيحطم ضلوعه ويدمي قلبه ويقتله الي المدرس الذي الذي يعتدي جنسيا علي تلاميذه ....ومن الزوج الذي يذبح زوجته الي الزوجه التي تذبح زوجها ...الي الطبيب ـ المليونير ـ الذي يضرب شخصا بالنار ثم يقوم بتقطيعه باستخدام المنشار الكهربائي ثم توزيع أشلائه علي مناطق مختلفه من أنحاء القاهرة من أجل نزاع علي مائة الف جنيه ومن هؤلاء وأولئك الي حادث احتراق قطار الصعيد الشهير الذي تلته حوادث قطارات أخري كثيرة وان لم تكن بمثل "فعالية"الحادث السابق ، ثم حادث العبارة وما أدراك ما حادث العبارة ! ألف شخص تقريبا ماتوا في لحظة واحدة ...كلا ، ليس في لحظة واحدة ، لقد ماتوا في هدوء وعلي مهل بينما التهينا نحن بمباريات كأس الأمم الأفريقية.....وهكذا ! من القتل والاغتصاب الي حوادث السيارات والقطارات ـ والعبارات طبعا! ـ ومن الكوارث الطبيعيه كزلزال 90 الي الكوارث غير الطبيعيه كانهيار هضبة المقطم ..الحق ان عالمنا ـ بالطريقة التي تبدو في صفحة الحوادث ـ هومكان خطر حقا الي الدرجة التي تجعلني أشعر بالاندهاش لكوني شخصيا لم أمر بكل هذا، في كل مرة أطالع الجريدة أسائل نفسي عن السبب الذي جعل حياتي تمر في نعومة مبتعدة عن كل هذا ....وأحمد الله!
ولكن هذا ـ للأسف ـ لايمنعني من التساؤل عن المستقبل : كيف ستكون حياتي ؟ كيف سيكون مماتي ؟ مريضا ؟ مقتولا ؟ محترقا؟ في المستشفي ؟ أم علي فراشي ياتري ؟
صفحة الحوادث تلعب ذات الدور الذي تلعبه افلام الرعب ،انها ترضي تلك النزعة الانسانيه الي الاطلاع علي مصائب الآخرين كي تهون علينا مصائبنا ،نعم ..ها هم الآخرين يقتلون ويذبحون ويحترقون بينما أنا ههنا آمن مطمئن في بيتي أطلع علي مصارعهم وأنا أحسو الشاي دعك بالطبع من أنها تعطينا الفرصة للشماتة في الآخرين ونقدهم والزهو بأننا لسنا مثلهم ،اذ اننا لم يقبض علينا بتهم كالرشوة والاختلاس كما أننا لم نقتل ولم نسرق ولم نغتصب ..الخ ،من ناحية أخري هي صفحة مضللة ،صفحة الحوادث تركز علي الحوادث "الساخنه"ذات التأثير المباشر حتي ولوكان محدودا وتترك الحوادث البطيئة التأثير حتي ولو كان تأثيرها كاسحا، قد يكون افتراس أحد تماسيح بحيرة ناصر لطفل ما حدثا مثيرا ومرعبا وبالتالي فنشره يصير حتميا ولكن مالذي سيستفيده الناس من نشرحادث كهذا؟ لاشيء تقريبا لان مصركلها تقريبا تقع أمام السد وليست خلفه وهؤلاء الذين يسكنون خلف السد يعرفون كيف يتعاملون مع التماسيح جيدا ، في حين أن البعوض ـ السخيف ـ الذي نظن أنه لا يسبب لنا سوي الضيق بسبب لسعاته المتكرره ينشر الملاريا التي تقتل الملايين سنويا ولكن البعوض ليس مثيرا مثل التماسيح كما أن الملاريا تحدث أكثر مما ينبغي وبالتالي فنحن نتجاهلها ببساطه ، قل مثل هذا عن أخبار الفنانين مثلا ،تغرقنا الصحف بعشرات التفاصيل عن حياة هذا الممثل أو هذه الممثله من زواج وطلاق وسفر وعودة وانفصال واتصال واحتكار المنتج فلان للممثل علان ، أو خلاف الممثلة الفلانية مع منتجها ، أو عن قرب زواجها منه ...الخ ولكن ما أهمية أن أعرف أيا من هذا؟ قد لا أعرف أهمية هذا ولكنني أعرف شيئا من أضراره وهو في كلمة واحدة : الالهاء، ان انشغال الناس بحادث مقتل احدي المطربات والمتهم فيه أحد رجال الأعمال وانغماسهم في تحليل ما اذا كان فلانا قد فعلها حقا أم لا ،واذا ما كانت المرحومة فنانة متميزة خسرناها أم مجرد فتاة لعوب تبحث عن المال ، كل هذا يشغلهم ولو مؤقتا عن التساؤل عن آثار الانهيار المالي في أمريكا علينا وعما اذا كانت بنوكنا الموقرة تضارب بأموال مودعيها في الخارج أم لا كما يشاع ، بل يشغلهم عن التساؤل المهم : كيف يتمتع رجل واحد بكل هذا النفوذ ؟ ان الرجل ما أن أشيع أنه قد هرب حتي انهارت البورصة ووسطت الحكومة بعض "أولاد الحلال" كي يعود اليها فلم يعد الا بعد أن اشترط وهدد وتوعد ،كيف يسمح لشخص ما لمجرد أنه يمتلك بعض المال ـ الكثير منه في الواقع ـ أن يكون أقوي حتي من الحكومة؟والي أي مدي وصل نفوذ رجال الأعمال في مصر ؟
من ناحية ثالثة فان انشغالنا بنقد الآخرين ولومهم يعمينا عن أنفسنا وعن عيوبنا وهي أجدر باللوم والعتاب من غيرها ، كما أنني متأكد من أنه في مكان ما يوجد شخص ما كلما قرأ خبرا عن القاء القبض علي مختلس ما أو مرتش ما فبقدر ما يثير هذا فزعه فانه يقول في نفسه هأنذا لست الوحيد الذي يفعل ذلك !
لذا فأنا لم أعد أندهش كثيرا لعزوفي عن شراء الصحف اليومية منذ فترة واذا فعلت فانني لا أقترب من صفحة الحوادث!
4-أضحَكَ وأبكَيَ
قبل 16 عامًا
