الجمعة، 31 أكتوبر 2008

صفحة الحوادث

من المدرس الذي "يرفس" تلميذا بالابتدائي فيحطم ضلوعه ويدمي قلبه ويقتله الي المدرس الذي الذي يعتدي جنسيا علي تلاميذه ....ومن الزوج الذي يذبح زوجته الي الزوجه التي تذبح زوجها ...الي الطبيب ـ المليونير ـ الذي يضرب شخصا بالنار ثم يقوم بتقطيعه باستخدام المنشار الكهربائي ثم توزيع أشلائه علي مناطق مختلفه من أنحاء القاهرة من أجل نزاع علي مائة الف جنيه ومن هؤلاء وأولئك الي حادث احتراق قطار الصعيد الشهير الذي تلته حوادث قطارات أخري كثيرة وان لم تكن بمثل "فعالية"الحادث السابق ، ثم حادث العبارة وما أدراك ما حادث العبارة ! ألف شخص تقريبا ماتوا في لحظة واحدة ...كلا ، ليس في لحظة واحدة ، لقد ماتوا في هدوء وعلي مهل بينما التهينا نحن بمباريات كأس الأمم الأفريقية.....وهكذا ! من القتل والاغتصاب الي حوادث السيارات والقطارات ـ والعبارات طبعا! ـ ومن الكوارث الطبيعيه كزلزال 90 الي الكوارث غير الطبيعيه كانهيار هضبة المقطم ..الحق ان عالمنا ـ بالطريقة التي تبدو في صفحة الحوادث ـ هومكان خطر حقا الي الدرجة التي تجعلني أشعر بالاندهاش لكوني شخصيا لم أمر بكل هذا، في كل مرة أطالع الجريدة أسائل نفسي عن السبب الذي جعل حياتي تمر في نعومة مبتعدة عن كل هذا ....وأحمد الله!
ولكن هذا ـ للأسف ـ لايمنعني من التساؤل عن المستقبل : كيف ستكون حياتي ؟ كيف سيكون مماتي ؟ مريضا ؟ مقتولا ؟ محترقا؟ في المستشفي ؟ أم علي فراشي ياتري ؟
صفحة الحوادث تلعب ذات الدور الذي تلعبه افلام الرعب ،انها ترضي تلك النزعة الانسانيه الي الاطلاع علي مصائب الآخرين كي تهون علينا مصائبنا ،نعم ..ها هم الآخرين يقتلون ويذبحون ويحترقون بينما أنا ههنا آمن مطمئن في بيتي أطلع علي مصارعهم وأنا أحسو الشاي دعك بالطبع من أنها تعطينا الفرصة للشماتة في الآخرين ونقدهم والزهو بأننا لسنا مثلهم ،اذ اننا لم يقبض علينا بتهم كالرشوة والاختلاس كما أننا لم نقتل ولم نسرق ولم نغتصب ..الخ ،من ناحية أخري هي صفحة مضللة ،صفحة الحوادث تركز علي الحوادث "الساخنه"ذات التأثير المباشر حتي ولوكان محدودا وتترك الحوادث البطيئة التأثير حتي ولو كان تأثيرها كاسحا، قد يكون افتراس أحد تماسيح بحيرة ناصر لطفل ما حدثا مثيرا ومرعبا وبالتالي فنشره يصير حتميا ولكن مالذي سيستفيده الناس من نشرحادث كهذا؟ لاشيء تقريبا لان مصركلها تقريبا تقع أمام السد وليست خلفه وهؤلاء الذين يسكنون خلف السد يعرفون كيف يتعاملون مع التماسيح جيدا ، في حين أن البعوض ـ السخيف ـ الذي نظن أنه لا يسبب لنا سوي الضيق بسبب لسعاته المتكرره ينشر الملاريا التي تقتل الملايين سنويا ولكن البعوض ليس مثيرا مثل التماسيح كما أن الملاريا تحدث أكثر مما ينبغي وبالتالي فنحن نتجاهلها ببساطه ، قل مثل هذا عن أخبار الفنانين مثلا ،تغرقنا الصحف بعشرات التفاصيل عن حياة هذا الممثل أو هذه الممثله من زواج وطلاق وسفر وعودة وانفصال واتصال واحتكار المنتج فلان للممثل علان ، أو خلاف الممثلة الفلانية مع منتجها ، أو عن قرب زواجها منه ...الخ ولكن ما أهمية أن أعرف أيا من هذا؟ قد لا أعرف أهمية هذا ولكنني أعرف شيئا من أضراره وهو في كلمة واحدة : الالهاء، ان انشغال الناس بحادث مقتل احدي المطربات والمتهم فيه أحد رجال الأعمال وانغماسهم في تحليل ما اذا كان فلانا قد فعلها حقا أم لا ،واذا ما كانت المرحومة فنانة متميزة خسرناها أم مجرد فتاة لعوب تبحث عن المال ، كل هذا يشغلهم ولو مؤقتا عن التساؤل عن آثار الانهيار المالي في أمريكا علينا وعما اذا كانت بنوكنا الموقرة تضارب بأموال مودعيها في الخارج أم لا كما يشاع ، بل يشغلهم عن التساؤل المهم : كيف يتمتع رجل واحد بكل هذا النفوذ ؟ ان الرجل ما أن أشيع أنه قد هرب حتي انهارت البورصة ووسطت الحكومة بعض "أولاد الحلال" كي يعود اليها فلم يعد الا بعد أن اشترط وهدد وتوعد ،كيف يسمح لشخص ما لمجرد أنه يمتلك بعض المال ـ الكثير منه في الواقع ـ أن يكون أقوي حتي من الحكومة؟والي أي مدي وصل نفوذ رجال الأعمال في مصر ؟
من ناحية ثالثة فان انشغالنا بنقد الآخرين ولومهم يعمينا عن أنفسنا وعن عيوبنا وهي أجدر باللوم والعتاب من غيرها ، كما أنني متأكد من أنه في مكان ما يوجد شخص ما كلما قرأ خبرا عن القاء القبض علي مختلس ما أو مرتش ما فبقدر ما يثير هذا فزعه فانه يقول في نفسه هأنذا لست الوحيد الذي يفعل ذلك !
لذا فأنا لم أعد أندهش كثيرا لعزوفي عن شراء الصحف اليومية منذ فترة واذا فعلت فانني لا أقترب من صفحة الحوادث!

الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

تأملات حول فيلم فيديودروم 2

شطح بي الخيال وبدا لي أن ماكس رين بالفعل هو خير من يعبر عن ما أصاب البشرية من عطب ، بداية :يمتلك ماكس محطة تليفزيونيه لبث الأفلام الاباحيه وما يؤرقه هو البحث عن مادة جديده تختلف عن المواد الاباحية " الرقيقة " التي يبثها اذ أنه قد سأمها ما الفرق ياتري بين ماكس وبين الملياردير الذي يبيع الغاز لاسرائيل كي تنير بيوتها في ذات الوقت الذي تظلم فيه غزة؟ ،او بينه وبين رجل الأعمال الذي يشتري شركة ما من القطاع العام ثم يقوم بتصفيتها وتشريد عمالها كي يبيع الأراضي المقام عليها مصانع الشركه كأراضي للبناء؟كل هؤلاء يعمل أعمالا "غير شريفه" من وجهة النظر الأخلاقيه ولكن من قال ان الاخلاق تهم؟المهم هو "التنميه"و"تشجيع الاستثمار"....
من ناحية اخري فان ماكس في بحثه عن افلام التعذيب لايبحث عنها من أجل الترويج لقناته وزيادة نسبة المشاهدة لها فحسب وانما لأغراض شخصيه أيضا ! نلمح هذا في الاثارة التي تبدو علي وجهه أثناء مشاهدته لهذه الأفلام ،كما يبدو أن التلذذ بمشاهد التعذيب هذه منتشر الي حد ما ،اذ ان ماكس يفاجأ بأن صديقته هي الأخري تشاركه هذه الميول ،أولا تشبه هذه الرغبه الشديده في الجنس ـ التي تصل الي حد الايذاء البدني القاتل ـ الرغبة الشديدة في جمع المال ؟ ماكس غير محروم من الجنس ولكنه لايشبع منه ويرغب في التجديد بأي ثمن،كذلك فان هذا الذي يحتكر الحديد ـ مثلا ـ أيضا لاينقصه المال ومع ذلك فهو لايكف عن توكيد احتكاره للحديد يوما بعد يوم ويرفع سعره ـ بدون داع غالبا ـ ويراكم المليار تلو المليار دون حاجة فعليه ،فقط كي يشبع رغبته في الانتصار حتي ولو كان الثمن هو سحق الفقراء ، ربما كانت نهاية الفيلم نذير لنا اذن، لقد سيطرت علي ماكس هلاوسه عن التعذيب والقتل وانتهي به الأمر وقد قتل نفسه ، الي أي مدي اذن تسيطر هلاوسنا علينا؟؟؟؟!!!

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

تأملات حول فيلم فيديودروم

شاهدت للتو فيلم" فيديودروم " للمخرج الكندي الشهير ديفيد كروننبرج وحبكة الفيلم تدور حول ماكس رين صاحب احدي القنوات التليفزيونيه المتخصصه في اذاعة المواد الاباحيه ويبدأ الفيلم بماكس وهو يبحث عن مواد جديده لمحطته وكيف انه لم تعد تكفيه المشاهد الاباحيه التقليديه ويبحث عن مواد وصفها بأنها "أكثر معاصره"اذ أن المواد المعروضه عليه "رقيقه " للغايه،في أثناء ذلك يكتشف أحد أصدقائه عن طريق القرصنه الرقميه احدي المحطات التليفزيونيه المشفره تسمي "فيديودروم"والتي تذيع مشاهد جنسيه ذات محتوي عالي من التعذيب الوحشي عندئذ يشعر ماكس انه قد وجد ضالته أخيرا ويبدأ في البحث عن منتجي القناة وعندما يقابل احدهم بالفعل تهديه مجموعه من أشرطة الفيديودروم ،التي يشاهدها ماكس بمزيج من التشوق والخوف ومع الوقت يكتشف ماكس أنه بدا يغرق في الهلاوس العنيفه والتي بلا شك لها علاقه بالفيديودروم كأن يتخيل نفسه يقوم بتعذيب احدي زبائنه أو أنه يعذب صديقته ،ويغدو الأمر مخيفا عندما تخبره صديقته أنها ستقوم بتجربة أداء من أجل الفيديودروم ـ يلمح الفيلم الي ان صديقته ذات ميول لتعذيب نفسها ـ ثم يراها بالفعل علي شاشة الفيديودروم ،فيما بعد يعلم انها قتلت أثناء التصوير حقا ،تغزو الهلاوس حياة ماكس ولا يعلم بالضبط ان كان ايا مما يمر به هو حقيقي ام هو مجرد هلاوس اخري وينتهي به الامر وقد تحول الي آلة للقتل ـ في احد المشاهد يصير المسدس جزءا من لحم يد ماكس ـ وينتهي الفيلم بانتحار ماكس نفسه ليس ندما أو يأسا وانما استجابة لأحد الهلاوس التي تظهر فيها صديقته وهي تدعوه للتخلص من جسده وألا يظن أنه بذلك يقتل نفسه !!
ما طاف بذهني بعد مشاهدة الفيلم هو انه يحدثنا عن عاقبة "الطمع"فاعتياد ماكس علي المشاهد الاباحيه التقليديه جعله يبحث عما هو اكثر" اثارة "،ولا يظن احد ان كثرة المشاهدة يمكن ان تمر هكذا دون تاثير علي سلوك المرء فالعنف في السينما وفي التلفاز هو انعكاس ودافع في ذات الوقت لما يحدث في الواقع ، وعندما عرفت ما فعله الاسرائيليون بالطفل محمد الدرة وتلك الطفله التي قتلوا جميع افراد عائلتها علي الشاطيء ،وعندما رأيت حوادث التفجير والعنف الطائفي في العراق ،وعندما قرأت عن مسيره للشواذ حضرها أربعة آلاف فرد في القدس قلت في نفسي لعل كل هؤلاء مثل ماكس يبحثون عن "الاثاره"بشكل أوبآخر،بل ان الفيلم نفسه دليل علي ماتفعله البشريه بنفسها ،فالفيلم حسب تصنيف موسوعة السينما الخياليه لبيتر نيكولز "فيلم مثير للتقزز" ومع ذلك عندما شاهدته لم أشعر بأي تقزز!اذ يصعب علي من شاهد افلاما مثل المنشارSAW وهانيبال بل وآلام المسيح ان يشعر بالتقزز من فيلم كفيديودروم ،انه يبدو كلهو الاطفال اذا ما قورن بها!!

السبت، 11 أكتوبر 2008

"مش انت لوحدك.... اللي هتنضر كلنا هننضر"!

مشهد:
السائحه الأجنبيه تنظر من نافذة الحافله نظرة حالمه وفجأة ..... يقترب من الحافله ، بل ومن السائحه بالذات ،سائق سيارة نقل بادي السماجه وهو يغمز للسائحه ويخدش مشاعرها المرهفه بألفاظ المعاكسه الوقحه :يا جميل يا ابيض يا حلو ....الخ .والسائحه يبدو عليها الضيق الشديد والتأفف وفي اثناء وصلة الغزل هذه يفقد السائق سيطرته علي عجلة القياده ومن ثم تنقلب السيارة ويذهب السائق الي المستشفي ويخسر مصدر رزقه جزاءا وفاقا لوقاحته مع السائحه التي تنقلنا الكاميرا اليها وهي تنزل من الحافله والضيق يشيع في وجهها الجميل وهي تقول أن شيئا كهذا لم يحدث لها في أي مكان آخر ثم يأتينا صوت المعلق كي ينقل لنا الحكمه الأساسيه "مش انت لوحدك اللي هتنضر كلنا حننضر" ،
علي نفس الشاكله يأتينا اعلان آخر يقوم ببطولته نفس الممثل وهو يحاول ان يبيع سلعة ما لأحد السياح بضعف ثمنها فيكشف السائح ،الأريب،الخدعه فيخبر صاحب العمل الذي يطرد عامله الغشاش فورا فيخبرنا السائح أن تصرفات كهذه تعطيه انطباعا "سيئا جدا" عن مصر ثم ينزل صوت المعلق كالعاده أنه "مش انت لوحدك اللي ....."
تنهانا هذه الاعلانات عن المعاكسه ولكن ليست اي معاكسه بل تلك التي تتعلق فقط بالسائحات ولأسباب لا علاقة لها بالأخلاق بل لأن هذا يضايق الاجانب وبالتالى يدعوهم لعدم زيارة مصر مرة أخري مما يعني حرمانك من مصدر رزقك "انت هتنضر" وحرمان مصر كلها من عائد السياحة "كلنا حننضر"، كما أن الغش كما هو واضح في الاعلان مكروه لا لشيء الا لأنه أعطي السائح انطباعا "سيئا جدا" عن مصرمما سيوصلنا الي نفس النتيجه أنه "كلنا حننضر"معني هذا أنه لابأس بمعاكسة المصريات اذ أنهن بعكس" سيداتهن "الأجانب لايملكون خيار الذهاب الي مكان آخر غير مصر ،كما أن غش المصريين أيضا لا بأس به لنفس السبب،لاتهم الأخلاق ..لاتهم المباديء ...بل ان السائح نفسه لايهم في حد ذاته فأهميته تنحصر فيما يدفعه.
أوليس هذا امتدادا للنغمه السائده منذ أعوام عن النمو والتنميه كل شيء يهون الا التنميه ،ولفظ التنميه نفسه لايعني في الوجدان الا المال ،والحروب التي خاضتها مصر كل مشكلتها أنها عطلت التنميه ، وبالتالي فالسلام مع اسرائيل والموافقه علي غزو العراق وافغانستان جيد لأنه يشجع التنميه، وصحف المعارضه سيئه لأنها تخيف المستثمرين وبالتالي تؤدي الي "تباطؤ النمو"
وفي أثناء هذا لاشيء يهم فقط المال ،أيا كان اسمه: السياحه..التنميه،هو مايهم ومن أجل المال لايهم أن يساق الآلاف من شباننا وفتياتنا للعمل بالبارات وهم كارهون لايدفعهم الا الحاجه ،ومن أجل المال لايهم أن تفتتح عندنا شواطيء العرايا ،ومن أجل المال لابأس أن تتحول البلاد الي حديقة حيوان كبيره او الي مزار سياحي كبير كي يستمتعوا بشواطئنا وملاهينا ويقتصر دورنا نحن علي خدمتهم ورعايتهم و..و،بالتأكيد،عدم معاكسة نسائهم أو غشهم لأنه "مش انت لوحدك اللي حتنضر ....كلنا حننضر"